وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

ها هي السنون الهجرية تمر كسحائب دامعة، تذروها رياح الظلم فتمحو آثار الحق، وتترك وراءها أجساد المظلومين ظلالا على جدران الزمن. وها هو العيد يبزغ كشمس حانية، لكن أنين المقهورين يخرق أثواب البهجة. 

لِمَ تزهو الموائد، وفي أقبية الجور أناسٌ يتضوَّرون أسى؟! 

لِمَ تُرفع الزينات، وتدفن صرخات تحت نعال المحسوبية والظلم؟! 

إنها مفارقةٌ تذوب من ألمها الصخور: سنةٌ تنطوي بسجل أسود من الجور، وعيدٌ يطلع بصفحةٍ بيضاءَ، لكن ظلَّ الظلم يمدُّ خطاه ليلوِّث نقاءها! 

يا بني الإنسان: أتعيشون فرحة العيد وفي ضمائركم أكفان البائسين؟! 

أتبشِّرون بالخير وأيديكم تقطر دماء المظالم؟! 

﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ 

نور يبدد دائرة الباطل، ويحمل في طياته بشارة تهز عروش الطغاة. دمعةُ مظلومٍ، بذرة في صحراء الوعد الإلهي، ستغدو شجرةً تظلُّ الأمم، أنة المظلومين نغمة في سمفونية التمكين، ستعلو حتى تمسح دموع الثكالى! 

فيا من ركبتم مركب الظلم: 

أما علمتم أن المن على المستضعفين ليس منة منكم، بل وفاء بوعد خالقكم؟! 

فالعيد الحقيقي يبدأ حين يصبح المنسحقون أئمةً، وحين تورث الأرض لأهل الحق لا لأهل النفوذ! 

الظالمون يشيدون صروحهم على رمال المحسوبية، 

والمستضعفون يبنون أمجادهم على صخور الإيمان. كلما ارتفع سور الجور، هبَّت ريح الآية لتهدم أركانه، وكلما سُحقت كرامةُ إنسانٍ، ارتفعت إرادةُ السماء لترفعه إمامًا!

ها هي دمعة المظلوم تتحول: 

من ذلٍّ إلى قيادة، ومن انكسارٍ إلى وراثة، فلا يغرنكم ظل الظلم، 

فما ارتفع باطل إلا وله سقوط، 

ولا انكسر حق إلا وله قيام! 

إن كان العيد ضياء، فاجعلوا المستضعفين مصابيحه! 

وإن كانت الأضاحي فداءً، فليكن فداؤكم: أن تذبحوا الظلم في نفوسكم قبل أن تذبحوا الخرفان! 

الزمن الجديد يدق الأبواب بقبضةٍ من نور، والمظالم تتساقط كأوراق الخريف أمام وعد السماء. لن يكتمل العيد حتى: تصير دموع المحرومين لآلئ في تاج العدل، وتصبح أنات المظلومين نشيدًا للتمكين،  وترتفع أصوات المستضعفين رعدًا يهز عروش الجبابرة! فويلٌ لقلبٍ لم يخفق حين تتلى الآية، وخسارةٌ لعقلٍ لم يدرك أنَّ المنَّ على الضعفاء.

ليس منّةً بل تزكيةٌ للروح قبل أن تصير إلى التراب! 

هذه الحقيقة تصعق البلاغة في صمتٍ: لن يكون العيد عيدًا حتى يرقى المسحوقون إلى العِزِّ، ولن تنطوي السنة حتى تنكسر قيود الظلم عن أعناق البشر!

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة